تعريف بالشاعر احمد فرح عقيلان واروع ما قال

Written By ewewrte on الثلاثاء، 28 أغسطس 2012 | 1:27 ص


                                                                   
ولد الشاعر الإسلامي أحمد فرح عقيلان في عام 1924 في قرية الفالوجة بفلسطين، نشأ في بيت علم ودين، وكان والده من علماء الأزهر، عانى نكبة فلسطين وشهد مأساة شعبه ومحنة اللاجئين، وقدمت عائلته الكثير من الشهداء.
أكمل دراسته الثانويّة في المدرسة الرشيديّة بالقدس، اشتغل بتدريس اللغة العربيّة في مدارس فلسطين، ثم تعاقد مع المعارف السعوديّة لتدريس اللغة العربيّة بالرياض، وعمل مستشاراً ثقافيّاً في إدارة رعاية الشباب.
نظم الشعر الإسلامي بفنيّة عالية، وصدر له عدد من المجموعات والدواوين الشعريّة منها: (البردة الجديدة) 1951، و(جرح الإباء) 1977، و(رسالة إلى ليلى) 1981، و(لا يأس) 1998، وله كتاب: (جناية الشعر الحر) 1982، و(بين الأصالة والحداثة: نقد ومختارات) 1986، و(أبطال ومواقف) 1414، و(من لطائف التفسير) ثلاثة مجلدات 1419، وصدرت أعماله الكاملة في عام 1999، ويعتبر من أبرز شعراء فلسطين وأدبائها.
توفي في 19/2/1997 بعد حياة حافلة بالعطاء.
وتعتبر قصيدة (فلسطين) إحدى نماذج شعره الفني الراقي المعبر عن مأساة شعب شرّد من وطنه، وسلبت دياره.
وإذا كان الشعراء قد درجوا على وصف الخمر والأطلال في مطالع قصائدهم، فمطلع قصيدة شاعرنا حب وحنين وعشق لفلسطين التي علّمته الفداء، وأنطقت فمه بدرر الشعر المنظوم.
يقول الشاعر: كلّما غنيت لفلسطين الساحرة الجميلة رأيتها تبتسم لي ابتسامة هي أجمل من ورد نيسان.
هي مثل امرأة بارعة الجمال، زانها الأدب والحياء، تأخذ بالألباب، هي أجمل من معشوقة قيس، ولا تقارن بها، يحيط بقصرها العالي وادي رام الله ومروجها الخضر، لم أتمالك نفسي وأنا شاب إلاّ طلب يدها.
كانت نافذتها فوق السحاب، طعامها الثلج وسقياها الماء الزلال، كنّا نحلّق معاً في جو السماء كالطيور، نتبادل الحب العذري والأشواق.
ثم ينتقل الشاعر من أجواء السعادة والعشق إلى الأحداث التي عصفت بقلب المحبين، ففاتنته اليوم حزينة شاردة، تبكي في موكب الفرح، تشير إلى مدينة مغبرّة بالجانب الغربي من لوحة السماء، وتتساءل: أين يافا عروس الشاطئ؟ وأين أهلها؟ وأين شميم نسيم البحر وعطر البرتقال؟
ويقسم الشاعر على أن كل الحلي جمّلت فلسطين بالحسن، ففي الغرب مصايف شواطئ البحر، وفي الشرق مشاتي البحر الميّت، أمّا المروج السندسيّة الخضر الممتدّة من عكا إلى رفح فهي منبت الفاكهة والزهور.
ويتساءل ألم يفتن المتنبي بروعة محاسن طبريّة وأمواج بحيرتها وطيب هوائها ودفئ شاطئها؟
فيصفها في ثمانية أبيات نوردها لتمام الشرح حيث يقول:
لولاك لم أترك البحيرة والغور
دفيء وماؤها شبم

والموج مثل الفحول مزبدة
تهدر فيها وما بها قطم

والطير فـوق الحباب تحسبها
فرسان بلق تخونها اللجم

كأنها والرياح تضربها
جيشا وغى هازم ومنهزم

كأنهــا في نهـارهـا قمـر
حفّ به من جنانها ظلم

تغنـت الطيـر في جوانبهـ
ـا وجادت الأرض حولها الديم
فهـي كَماويّةٍ مطوقة
جرد عنها غشاؤها الأدم

يشينها جريها الى بلد
تشينه الأدعياء والقزم

وكلّما هبّت نسائم الهواء المنعش في شهر الحرّ والقيظ، أشار إلى الشمال حيث الجبل المتلفّع بالثلج على مدار العام، أو إلى غور الأردن كلّما حلّ برد الشتاء.
وهذا نهر اليرموك يحكي ملحمة الانتصار في معركة الفتح، وهذه ديارنا مستودع أسرار السماء، ومسرى النبي والمعراج.
ويخاطب الشاعر مقدسات فلسطين فيقول: أفديك روحي وعيالي وأعز ما أملك، وما أشرف تلك الروح إذا فديت بهذه المقدّسات.
ويصف في خوف وهلع ما آلت إليه أحوال فلسطين، من تدنيس للمقدّسات، وانتهاك للحرمات، ويتساءل: أين الملايين التي تنفق بسخاء على الغانيات وموائد الشيطان، ونضنّ بها في موقف البذل والتضحية ونداء الواجب؟
لو كانت مشكلتي مع اليهود وحدهم لما اكترثت بهم، لكن مشكلتي اليوم مع حماة حدود إسرائيل، وكلّما زادت المعاناة في فلسطين، زاد إخواننا العرب مصائبنا.
وها أنا ذا ذاهب تحت جنح الظلام إلى عدوّي لأؤدبه، وقد وضعت روحي على راحتي، أحمل سلاحي الذي اضطرت زوجتي لبيع عقدها الذهبي بثمن بخس لتشتري بثمنه ذخيرة بندقيّتي.
حتى وصلت منطقة صفد، والثلج يهطل فوق رأسي، ولمّا هبّت نسائم سهل حطين سرى عبيره الطيّب في جسدي، وشعرت أن كبدي الملتهبة قد شفيت من أسقامها، وأخذت أنظر إلى بلدي المغتصب، ونار الثأر تدفعني نحو الانتقام من عدوي.
ويتابع الشاعر ملحمته فيقول: وبينما أنا أتأهب للانقضاض، أمسكت بكتفي يد عربيّة، ظننت للوهلة الأولى أنّ أسود العرب جاءت لنصرتي، فأخذت أشكر هذه اليد وأثني عليها.
لكنّ هذه اليد سرعان ما أمرتني بإلقاء السلاح، وأخذت تكيل لي السباب والاتهامات.
فقلت: ياحارس الأعداء، أيّها البطل المزيّف، هذه القنابل اشتريتها من تعبي، وعلى حساب قوتي، أمّا هذه البندقيّة فلا أستطيع أن أتخلّى عنها لأنّها بمثابة روحي، وأعلم أن لغة الشجب والتنديد لن تعد مجدية، ولن تنطل هذه الأكذوبة بعد الآن على أحد، فلقد تعلمت من صلاح الدين درس البطولة والفداء، وإنّ لحظة صمت من فدائي أكثر تعبيراً من هذه الخطب الحماسيّة البليغة.
ولن نتسوّل بعد الآن على أبواب السياسات المتآمرة على فلسطين، لأنّ حماة هذه النهج هم اللصوص الحقيقيّون.
ويتابع خطابه لهذا العربي: إن كنت تبحث عن الكرامة فهيّا إلى القدس، فإنّها تتطلّع إلى من ينقذها.
ثم يخاطب الأمّة التي يلفّها الظلام من حولها: إعلمي أيّتها الأمّة أن الفجر قادم لا محالة، وأنّه كلّما اشتد الخطب، وادلهمت الخطوب، اقترب الأمل.
قصيدة رائعة بكل المقاييس الفنيّة والسياسيّة، كم تمنيت ان تدرّس في مدارسنا، وان يحفظها كل ناشئ عربي.

فلسطين

أفدي التي علمتني كيف أفديها
وأتحفتني نظيم الدر من فيها

أبهى من الورد فى أبريل بسمتها
إذا رأتني أغني فى مغانيها

كان الجمال الفلسطيني يأسرني فيها
وحلية آداب تحليها

لهفي عليها فلسطينية نظمت فيها
الملاحة فى أبها معانيها

لو أن قيسا رآها فى صواحبها
لقال يا ليت ليلى من جواريها

كانت على قمة شماء دارتها
وحولها مرج رام الله وواديها

وكان شرخ شبابي عارما غزلا
يسوقني رغم أنفي نحو أهليها

ما زلت أذكر فوق الغيم شرفتها
والسحب تطعمها ثلجا وتسقيها

فى ذلك اليوم كنا فى السماء معا
والجو بالبسمة العذراء يغريها

لكن فاتنتي صفراء ساهمة
كأنما موكب الأفراح يبكيها

تشير لي جهة الغرب البعيد إلى
مدينة قد بدت غبرا مبانيها

تقول لي تلك يافا أين آهلها
أيام يافا عروس فى شواطيها

هل تبصر البحر معطارا نسائمه
تهدي شذى برتقال من مجانيها

والله ما حلية فى الأرض غالية
إلا بدت فى فلسطين تحليها

البحر فى الغرب حيا من مصايفها
البحر فى الشرق ميتا من مشاتيها

والحقل يتحفها تينا على عنب
والبرتقال رحيق الخلد يسقيها

والحقل يمتد من عكا إلى رفح
فى مطرف السندس الغالي يجليها

تعجب المتنبي من بحيرتها
لما راى كل أشكال المنى فيها

الموج يهديك بردا من أواسطها
والغور يعطيك دفئا من شواطيها

وعمة الشيخ فى تموز تبردها
وحمة الغور فى كانون تدفيها

والنهر يحكي عن اليرموك ملحمة
المجد يلحمها والفخر يسديها

فى أرضنا كل ما في الأرض من متع
سبحان مودع أسرار السما فيها

كل النبوات فى أحضانها درجت
تأوي إلى المسجد الأقصى فيؤيها

عفوا حنانيك يا مسرى محمدنا
يا صخرة المجد أعيت من يساميها

فداك نفسي وأولادي وملك يدي
ما أشرف الروح للأقداس نهديها

يا لهف نفسي أحقا أن صخرتنا
القدس فد عاث أنجاس الورى فيها

وهل صحيح بأن المومسات بها
صيرن أقداسنا حمرا لياليها

يا أمة دفنت فى الرمل هامتها
كى لا ترى الواقع المهزوم يخزيها

أما سمعت بأولى القبلتين وقد
تبختر الكفر في أقداسها تيها

أين الملايين للشيطان نرخصها
فإن دعانا نداء المجد نغليها

إذا القمار لنا مدت موائده بالراح
والغادة الشقراء تسقيها

فنحن أكرم أهل الأرض قاطبة
ترى ملاييننا كالرمل نذريها

شتان من همه كأس وغانية
ومن على القمة الشماء يحميها

لو أن همي عدوي ما اكترثت به
لكن أخي حول "إسرائيل" يحميها

وكلما عظمت بلواي فى بلدي
رأيت أحبابنا زادوا بلاويها

سريت ليلا إلى خصمي أؤدبه
الروح فى راحتي أرخصت غاليها

والبندقية من زوجي ذخيرتها
باعت قلادتها بخسا لتشريها

حتى وصلت حدودي والثلوج على
رأسي وقد خنقت روحي دياجيها

حتى شممت شذا حطين من صفد
يسري على كبدي الحرى فيشفيها

ورحت أنظر عن قرب إلى بلدى
ونار ثأرى تصليني فأصليها

وإذ على كتفي وسط الظلام يد
تصيح باللهجة الفصحى حراميها

فأشرق النور فى قلبي وقلت إذا
هذه العروبة جارتني ضواريها

ودمت أهتف هيا مرحى يا أخي
وهلا يا للأخوة ما أحلى معانيها

ظننته جاء فى الظلماء ينجدني
ورحت أوسعه شكرا وتنويها

فقال ألقى بهذي البندقية يا......
وراح يوسعني شتما وتشويها

فقلت يا حارس الأعداء يا بطلا
بعض البطولات تؤتى من مخازيها

هذى القنابل من قوتي ومن عرقي
والبندقية روحي لا أخليها

الشجب والسب والإنكار أسلحة
ما عاد شعبي بقطمير يساويها

درس العلا من صلاح الدين علمنا
أن البطولات تؤتى من أعاليها

ما نفع ألف خطاب صارخ زلق
تكفيك لحظة صمت من فدائيها

لن نشحذ الحق من لص ومغتصب
هذى السياسة حاميها حراميها

إن شئت فاذهب معي فالقدس منتظر
هذى الكرامة فى أسمى معانيها

يا أمتي فى ظلام الليل لا تهنى
لا يطلع النور إلا من دياجيها


0 التعليقات:

إرسال تعليق